مدى قانونية صرف الأجراء خلال حرب تموز الاخيرة بقلم المحامي كابي زهر

By : | Category : Uncategorized | Comments Off on مدى قانونية صرف الأجراء خلال حرب تموز الاخيرة بقلم المحامي كابي زهر

20th Jul 2018

كانت للحرب الاخيرة التي شُنّت على لبنان انعكاسات سلبية على وضع الأجراء والعاملين في المؤسسات والشركات بما فيها المصارف ، إذ أدّت إلى صرف عدد كبير منهم لأسباب عديدة منها ما يتصل بتدمير المؤسسة التي يعمل فيها الاجير ، او غيرها مرتبط بأسباب اقتصادية ناتجة عن تقلص العمل أثناء الحرب او حتى لتغيب أجراء عن عملهم لاسباب أمنية وغيرها وغيرها من الاسباب …

ومع أعمال الصرف هذه برزت تساؤلات بين الأجراء عن مدى قانونيتها وصحتها في ضوء أحكام القانون اللبناني واجتهادات المحاكم ، وإمكانية تطبيق نظرية القوة القاهرة بشكل عام على حالات الحروب وبالتالي اعتبار صرف الاجير تعسفي .

إن القوانين التي ترعى حالياً قضايا العمل بشكل عام هي قانون العمل اللبناني وقانون الموجبات والعقود المتضمن نظرية القوة القاهرة، يضاف اليهما قانون تعليق المهل الصادر مؤخراً بتاريخ 8/12/2006، انما وبعدم وجود قانون خاص يرعى كافة تفاصيل تأثير الحرب والظروف الامنية على قضايا العمل ، ترك أمر البتّ بها إلى مجالس العمل التحكيمية، التي أخذت بعين الاعتبار كل قضية على حدى، وعليه سنتناول تباعاً تأثير الظروف الامنية والاقتصادية على عقود العمل على ضوء القانون والاجتهاد اللبناني.

تمهيداً ، وقبل البحث بالموضوع أعلاه، تقتضي الاشارة إلى أن الحرب والظروف الامنية، تمحورت حول نظرية جوهرية ألا وهي نظرية القوة القاهرة ومدى تأثيرها على علاقات العمل ، مع العلم بأن هذه النظرية طبقت بوجه الحصر وغالباً لمصلحة الاجير بحجة وجوب تأمين الاستقرار والاستمرارية في العمل .

1- الظروف الامنية وتأثيرها على عقود العمل :

سنحاول أدناه عرض توجه المحاكم اللبنانية كما ورأي الفقه اللبناني والفرنسي فيها بدءاً من مسألة فسخ العقد وتعليقه وصولاً إلى مصير الأجور :

أ- فسخ العقود :

* يُعتبر عقد العمل فاسخاً حكماً (إن كان لمدّة محددة أو لمدة غير محددة) دون مسؤولية أي من طرفيه في حال توفّر قوة قاهرة تجعل تنفيذ العقد مستحيلاً ويقتضي ان يكون الفعل الذي يشكل القوة القاهرة غير متوقع، لا يمكن تجنبه، غير ناشىء عن خطأ صاحب العمل ومن شأنه ان يجعل التنفيذ مستحيلاً بصفة مطلقة دون ان يجعل التنفيذ مرهقاً.

* إن أية حالة لا تشكّل قوّة قاهرة بنفسها تُبرر فسخ عقد العمل وعلى المحاكم أن تقرر إذا كان العائق للتنفيذ يشكّل قوّة قاهرة: إن الحرب لا تشكّل بنفسها قوّة قاهرة إلا إذا أدّت إلى استحالة تنفيذ عقد العمل وليس فقط إلى صعوبة تنفيذه، مثلاً إحتلال جيش أجنبي للمعمل.

DURAND & VITU -Traité de Droit du Travail- Tome II – P.884 N*470 et P.793 N*415.

* يُعتبر فسخ رب العمل للعقد مع الاجير فسخاً تعسفياً في حال كان سببه تغيب الاجير عن العمل بسبب سوء الحالة الامنية وخوفه على نفسه من الاخطار.

في هذه الحالة، رفض الاجير الانتقال من مركزه الى مركز Verdun ووُصِفَ تخلفه عن الحضور الى العمل بالتغيب المشروع وبالتالي اعتبر صرفه من العمل غير مسند لأي اساس قانوني مما يجعله متسماً بصفة الصرف التعسفي عملاً بأحكام المادة 50 من قانون العمل.

محكمة التمييز المدنية – الغرفة الثانية – قرار تاريخ 23/12/1993 – حسين زين- خلاصة الاجتهاد والمقالات- الصفحتين 596 و597 رقم 199.

* يُعتبر فسخ رب العمل للعقد مع الاجير فسخاً تعسفياً في حال حصل لترك هذا الاخير لبنان بسبب تدمير مركز المصرف الذي كان يعمل لديه ومن ثم مغادرته الى المكسيك بسبب اشتداد العمليات الحربية في المنطقة التي يسكن فيها (قرب تل الزعتر).

مجلس العمل التحكيمي في بيروت (الرئيس الشخيبي)– قرار رقم 92 تاريخ 25/11/1977 – نفس المرجع اعلاه – الصفحة 600 – 207 و-بيار اميل طوبيا- الدليل العملي في قضايا الصرف التعسّفي – الصفحتين 72 و 73.

* يُعتَبَر فسخ ربّ العمل للعقد مع الأجير فسخاً تعسّفيّاً يستوجب معه التعويض والانذار في حال حصوله بسبب حريق المعمل العائد لربّ العمل أثناء حوادث 1958 دون إثبات هذا الأخير لاستحالة تنفيذ العقد المطلقة والنهائيّة وشمول الحريق لكافّة منشآت المعمل وعدم توفّر الامكانيات اللازمة لإعادة إنشائه.

ولا يكون ربّ العمل في هذه الحالة إلا في حالة صعوبة مؤقّتة لإنفاذ موجباته.

مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان – قرار تاريخ 8/3/1967 حاتم ج 72 – ص42 ون.ق. 1967 ص272 وصادر بين التشريع والاجتهاد- العمل- ص273 رقم 23.

JACQUES LE GOFF – Droit du Travail et Société- Les relations individuelles de Travail P. 811 (pour les cas d’incendies non causés par la guerre) et JURISCLASSEUR- Travail- Vol.1- Fasc.2-48-P.15- N*98 et 99 (pour les cas d’incendies non causés par la guerre).

* إن إغلاق المؤسسة لا يشكّل سبباً مشروعاً لفسخ العمل إلا إذا كان سببه قوّة قاهرة نتج عنها استحالة نهائية للتنفيذ.

الدكتور حسن كيره- أصول قانون العمل- عقد العمل- الطبعة الثالثة – 1983- الصفحتين 676 و677.

DURAND & VITU -Traité de Droit du Travail- Tome II- P.884 N*470.

 

* لا تعسّف في الصرف في حال ترك الأجير العمل عند نقله من المطار إلى مكتب الشركة لتقليص نشاط الشركة لاستحالة إستمرار العمل في المطار بسبب الأحداث الأمنية، سيّما وأن المحكمة كوّنت قناعة من معطيات الملف بأن نقل العمل من قِبَل ربّ العمل لم يكن بنيّة الإضرار بالأجير بل لتأمين ديمومة العمل.

مجلس العمل التحكيمي في بيروت (الرئيس الشخيبي) قرار رقم 216 تاريخ 11/5/1993 –نبيلة الزين- قضايا العمل- 1992- 1994- الصفحتين 66 و67.

* لا تعسف في الصرف في حال الغاء رب العمل لقسم في شركته تعمل فيه الاجيرة، بسبب الظروف الامنية والاقتصادية التي كانت سائدة في البلاد، وتعتبر هذه الظروف صعبة للغاية من شأنها تبرير صرف الشركة لبعض اجرائها.

مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان – قرار رقم 8 تاريخ 12/1/1998 – صادر في الاجتهاد والتشريع ص 268 رقم 6.

* إذا توفّرت شروط القوّة القاهرة، يُفسَخ عقد العمل دون تعويض صرف وإنذار عملاً بأحكام المادتين 341 م.ع. و656 م.ع.

مجلس العمل التحكيمي في بيروت – قرار رقم 1090 تاريخ 17/8/1967- محمّد الشخيبي- الوسيط في قانون العمل- الجزء الثاني- ص247.

عصام القيسي- قانون العمل اللبناني- الطبعة الثالثة- ص 285.

فرح أبي راشد-قضايا العمل- ملحق رقم 3 – 1969- الصفحات من 75 إلى 80.

 

ب- تعليق العقود:

* استناداً إلى المرسوم رقم 7/77، يقتضي التفريق بين التوقّف المؤقّت (التعليق) والنهائي (الفسخ) عن تنفيذ عقد العمل بسبب القوة القاهرة.

ويؤدّي الانقطاع عن العمل بسبب القوة القاهرة إلى تعليق عقد العمل عن فترات الانقطاع القصري (طالما لم تَثبُت أية استحالة مطلقة للتنفيذ).

مجلس العمل التحكيمي في بيروت – قرار رقم 11 تاريخ 9/4/1991 صادر في التشريع والاجتهاد- ص529 رقم 1.

BRUN & GALLAND – Droit du Travail- La Suspension du Contrat de Travail- Tome II- 323 p.602 et G.H. CAMERLYNCK et G. CAEN- Droit du Travail- Force Majeure et Suspension du Contrat de Travail- p.214.

* أضاف قسم من الفقه الفرنسي إعتبارين على تفسير تعليق عقد العمل: كون التعليق لمدّة قصيرة وكون الوضع يسمح بالأمل بإمكانية العودة للعمل أي أنه في حال طالت مدّة التعليق دون أمل بالعودة إلى العمل، يُعتَبَر العقد فاسخاً دون مسؤولية أي من فريقيه.

DURAND & VITU -Traité de Droit du Travail- Tome II- P.793 N*415.

* إنما لا معيار محدد لمدّة تعليق العقد، فيمكن أن تكون قصيرة أو طويلة حسب الحالة.

GUY POULAIN- Les Contrats de Travail à Durée Indéterminée- P.219 et 220- N*299 et JURISCLASSEUR -Travail- Vol.4- Fasc.28-10 P.13- N*56 et s.

ج- مصير الأجور:

* إن قاعدة الأجر مقابل العمل تُطبَّق في غياب نصّ خاص كالمرسوم الاشتراعي رقم 7/77: إن الاجتهاد مستمرّ على اعتبار عدم توجّب أي أجر بذمّة ربّ العمل للأجير عن الأيام التي تغيّب فيها هذا الأخير بسبب الأحداث.

هذا باعتبار أن الأوضاع الأمنيّة تشكّل قوّة قاهرة تبرر الغياب القسري الذي تكون من نتائجه تعليق مفعول عقد العمل، بالمقابل لا يكون ربّ العمل مُلزَماً بدفع أي أجر للأجير خلال فترة التعليق، وذلك عملاً بأحكام المادة 625 م.ع. (“الأجر في عقد العمل هو مقابل العمل”) كما والمادة 656 م.ع. فقرتها الأخيرة (“الكفّ عن المشروع لا يجعل من ربّ العمل في حلّ من احترام موجباته ما لم تكن هناك قوّة قاهرة”).

مجلس العمل التحكيمي في بيروت – قرار رقم 248 تاريخ 27/6/1994 – صادر في التشريع والاجتهاد- ص 212 وأيضاً مجلس العمل التحكيمي في بيروت – قرار رقم 18 تاريخ 30/4/1991- نفس المرجع أعلاه- ص212 .

G.H. CAMERLYNCK – Droit du Travail- Deuxième Edition- P.336- N*305.

* لا تتوجّب أية أجور بذمّة ربّ العمل في حال رفض الأجير الالتحاق بعمله في المركز الجديد للشركة بسبب الأحداث وانقطاع علاقة الفريقين من ذلك الحين.

 

مجلس العمل التحكيمي في بيروت (الرئيس الشخيبي) – قرار رقم 11 تاريخ 9/4/1991 – – بيار اميل طوبيا- الدليل العملي في قضايا الصرف التعسّفي- ص518 رقم 105.

 

2- الظروف الاقتصادية وتأثيرها على عقود العمل

سنحاول الاضاءة على توجه الاجتهاد والآراء الفقهية اللبنانية والفرنسية التي ترعى قضايا العمل في الظروف الاقتصادية الناتجة عن الحرب :

* إن عدم مراعاة الشرط الجوهري الوارد في الفقرة “و” من المادة 50 من قانون العمل (إعلام وزارة العمل قيل شهر والمشاورة معها) في الصرف لاسباب اقتصادية، يؤدّي إلى اعتبار الفسخ تعسّفياً.

محكمة التمييز المدنية – الغرفة الثانية – قرار رقم 54 تاريخ 6/4/1999 – بيار اميل طوبيا – الدليل العلمي في قضايا الصرف التعسفي – الصفحات من 446 الى 448 الرقم 92.

* إن الصرف الحاصل لأسباب إقتصاديّة وسيّما النقص الكبير في موارد الشركة وتعرّضها لعجز مادي ليس صرفاً مشروعاً بعد أن أغفل ربّ العمل تطبيق أحكام الفقرة “و” من المادة 50 من قانون العمل.

مجلس العمل التحكيمي في بيروت – قرار تاريخ 22/6/2000 – صادر في التشريع والاجتهاد- ص272 رقم 18.

* إن الصرف لا يتّسم بالصفة التعسّفية في حال حصوله لتردّي أوضاع الشركة المالية وبعد مراعاة أحكام الفقرة “و” من المادة 50 من قانون العمل.

وتمّ التثّبت من وضع ربّ العمل المالي المُتعثّر وتوقّفها التدريجي عن العمل بواسطة الخبرة الفنيّة.

مجلس العمل التحكيمي في بيروت – قرار رقم 488 تاريخ 29/5/2000 – صادر في التشريع والاجتهاد- ص271 رقم 17.

* من المستقر عليه علماًُ واجتهاداً أنه يعود لصاحب العمل أمر تقدير الظروف والأسباب التي تفرض عليه تخفيض عدد العمال في مؤسسته وإعادة تنطيمها وحصر نفقاتها واختيار الأجراء الذين يريد الاستغناء عنهم والذين يريد الاحتفاظ بهم.

مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان – قرار رقم 180 تاريخ 9/7/1975 – حاتم ج167 ص53 والعدل 1979-ص140.- ص271 رقم 17.

Cass. Soc. 22/11/1957- D.1958.43

* إن الصرف لا يتسم بالصفة التعسّفية عندما يتخذ ربّ العمل القرار بنقل الأجيرة إلى مركز عمل آخر بسبب ضائقة إقتصادية وترفض هذه الأخيرة النقل، إذ لم تكن نية ربّ العمل الاضرار بالأجيرة بل بالعكس نقلها كي لا تفقد عملها مؤمّناً لها وسيلة النقل اللازمة.

مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان – قرار تاريخ 10/7/2000 – صادر بين التشريع والاجتهاد- ص276 – رقم 40.

* إن الإجتهاد الفرنسي متشدّد في اشتراطه وجود صعوبات إقتصادية حقيقيّة تبرر الصرف، ولم يكُن متساهلاً عند توفّر الحلات التالية: عندما لم تُثَبَت الصعوبات المالية بتخفيض رقم المبيعات والأرباح، عندما لم تُثبِت صفة الاستمراريّة في الوضع المالي الصعب- التدني البسيط لرقم المبيعات، التدني البسيط في حجم الأعمال-، عندما يكون ربّ العمل هو الذي تسبب قصداً بالحالة السيئة.

JACQUES LE GOFF – Droit du Travail et Société- Les relations individuelles de Travail P.872 et P.873 (pour les cas d’incendies non causés par la guerre).

وبالاستناد إلى جميع ما تقدّم،

إن نظرية القوة القاهرة هي الواجبة التطبيق في حالات الحرب والظروف الامنية ويعود للمحاكم تقدير كل حالة على حدة والتأكد من مدى انطباق القوة القاهرة على الحالة المعروضة امامها، فإذا أدت مثلاً القوة القاهرة إلى استحالة دائمة ونهائية لتنفيذ العقد يحق عندها لرب العمل فسخ العقد دون ان يترتب للأجير أي تعويض، وإذا أدّت القوة القاهرة إلى صعوبة في التنفيذ او استحالة مؤقتة بالتنفيذ لا يمكن لرب العمل فسخ العقد الذي يكون معلّقاً طوال هذه الفترة.

وبالمقابل إذا حالت الظروف الامنية دون حضور الاجير إلى عمله يُعلّق عقد العمل دون ان يفسخ ، وفي حالات التعليق وعدم حضور الاجير إلى عمله لا يتقاضى أي أجر.

أما بحالات الظروف الاقتصادية ، يقتضي على رب العمل مراعاة نص الفقرة “و” من المادة 50 من قانون العمل التي تلزم هذا الاخير ابلاغ وزارة العمل والتشاور معها لاثبات مدى توافر الظروف الاقتصادية المبررة لإنهاء عقود العمل .

وفي مطلق الاحوال ،

ومع ان اتجاه المحاكم كان غالباً لمصلحة الاجير، يبقى ان تعويض الصرف التعسفي المنصوص عنه في الفقرة أ من المادة 50 من قانون العمل اللبناني هو بحدّ ذاته منخفض اذ يتفاوت بين بدل أجر شهرين وإثني عشر شهراً، استناداً إلى عمر الأجير ومدة خدمته ، ووضعه العائلي والصحي، ونوع عمله، ومقدار الضرر الذي لحق به ومدى الاساءة في استعمال الحق مما يقتضي معه العمل يداً بيد مع النقابات لحث مجلس النواب على تعديل هذه المادة ورفع هذا التعويض.

وختاماً، نأمل أن تكون هذه الدراسة المتواضعة منحتكم صورة واضحة عن أهم الانعكاسات القانونيّة للحرب والظروف الأمنية الملازمة لها على الحقوق والموجبات المتصلة بالأجير والعامل في لبنان.

المحامي كابي زهر

Comments are closed.